الخميس، 8 فبراير 2018

(مقاولة رحال وأبناؤه للتسول) / بقلم الكاتب المصطفى لخضر

(مقاولة رحال وأبناؤه للتسول)
--- 0 - 0 ---
- طبيعي أن نعشق البرودة ، إذا كنا نعيش في مناطق حارة، وطبيعي أن نعشق دفأ الشمس إذا كنا نعيش في مناطق باردة، قال رحال.
- لأن المسألة عادية، ما دمنا في هذه البلاد كباقي البلدان، يكره فيها الإنسان العيش بمزاج و بخبز واحد.
- فالإنسان يعشق دائما ما لا يملك، فالعشق فيه وفيه، وأحيانا يعشق المحروم حتى الموت إذا وجد نفسه منفيا في منطقة صعبة مثل منطقتنا التي حاصرتها الثلوج ، و لا أحد يسأل عن حالنا.
* أصبحت تتفلسف اليوم يا رحال، ما الذي دفعك لقول هذا ؟
سألته سكينة، التي أعدت له إبريق شاي أسود على شيء من الأعواد التي جمعتها في الصيف الماضي والتي بدأت تقل بفعل استعمالها أيضا في التدفئة. ووضعت خبزة ساخنة من الشعير الأسود و إناء من البلاستيك فيه شيء من زيت الزيتون في طبق قديم مصنوع من جريد النخل ودفعتهم نحوه.
- الحصار يا سكينة، ورحلتي نحو المجهول معك، في هذه الدنيا التي لم تعط كل ذي حق حقه. 
* معي؟ تقاطعه سكينة باستنكار.
- لا، مع الحائط يجيبها رحال. ومع من إذا يا فم يبلع ومؤخرة تضع، كما لو كنت دجاجة لا تنفك تبيض حتى تذبح أو تموت.
- منذ أن تزوجت بك وأنت كآلة حصاد غير فالحة إلا في الإنجاب، حتى ثقل حملنا، ولم نعد نستطع من الفاقة التحرك إلى أي مكان رفقة الأولاد.
* الأولاد نعمة من الله يا رحال، لا تقل هكذا عن أولادنا، فكثير من الناس محرومون من " الخلفة "، وما كرهوا حتى معوق يؤنسهم في حياتهم ليحسوا بالأبوة والأمومة. تجيبه سكينة.
- نعمة قالت يكلم رحال نفسه ، كما لو أننا سنبيعهم لمن لا يخلفون بثمن يسعفنا لتغيير حالنا المزري هذا وفي تربية باقي إخوانهم.
- تتحدث عن " الخلفة " وكأننا ولدناهم في الصين، حيث الكل يشتغل وينتج حتى غزت منتجاتهم كل بيت من بيوت العالم.
- إن أبناءنا مثلك لا يصنعون إلا النفايات مما يأكلون وتقولي لي الأولاد نعمة ؟ 
* إستغفر الله يا رحال؟ كل واحد يولد برزقه.
- الرزق،الرزق، الرزق، هكذا تقولين دائما كلما تمرغت، ولدت لنا عفريتا لا يتقن غير امتصاص دمنا وتقولي لي الرزق. كما لو أنك ولدت هذه الفرقة من الأولاد الذين لا زالوا يغطون في النوم، بملاعق من ذهب.
* لا تخف يا رحال بعد بضعة شهور، سأضع لك السابع، ربما سيولد بملعقة من ذهب. تمازحه سكينة.
يبتسم رحال ابتسامة خفيفة لا يقاوم بعدها الانفجار بالضحك. ثم يقترب من دفء النار ب: " المجمر" و من المائدة .
حيث تناول كسرة خبز وبدأ يقطع منها قطع صغيرة، يغطسها في الزيت ويضعها في فمه، ومرة مرة، يرتشف جرعة ساخنة من كوب الشاي الساخن قبل أن يبرد.
وفي قرارة نفسه بدأ يفكر في الهجرة من تلك القرية المعزولة نحو المدينة، ويقول مع نفسه:
- ربما ما قالته سكينة صحيح...
- الأولاد برزقهم، لكنه ربما هو المغفل...
- سيعمل هو وإياهم في جمع ما يصلح للبيع من حاويات النفايات مع كل فجر بالمدينة ويعود للنوم حتى يوم آخر. 
- لا بأس من جمع النفايات، فسكان مدن الصفيح هم أيضا نفايات المجتمع...
- والنفايات تحن على بعضها البعض...
- أو ربما يكون شركة للتسول، يساهم هو وزوجنه وكل أولاده في تطويرها، حتى تصبح -(مقاولة رحال وأبناؤه للتسول) أكبر مقاولة في المدينة التي ستقبل على أمثالهم.
الأمر سهل سيعتبر رحال وأولاده أنفسهم كهؤلاء اللاجئين الأفارقة والسوريين الذين حتمت عليهم الظروف الهجرة من ساحة الحروب التي فرضت عليهم الهجرة نجاة بأرواحهم. وما عليه إلا أن يحشر نفسه بينهم، و يمد يده للمارة عندما تتوقف سياراتهم عند اشتعال الضوء الأحمر. وحتى لا يعتبره الناس متسولا سيحاول بيعهم بعض علب " الكلينيكس " أو شيء ما من هذا القبيل.
* مالك يا رحال سكتت؟ تسأله سكينة
- لا، لا، لا شيء فقط بدأت أهدي. يجيبها رحال
* إنك لست اليوم على برجك. تقول له سكينة.
- ربما هذا هو اليوم الوحيد الذي سيستجيب لي فيه برجي.
- أجمعي ما خف من متاع للسفر، سنرحل من هذه الأرض لمكان آخر والمدبر حكيم.
* إلى أين يا رحال ؟
- إلى المدينة يا سكينة، ربما رزقنا ورزق الأبناء هناك كما قلت، ويكفي أن نغير هذا المكان لنجده.
* أرأيت، رجعت لكلامي، تجيبه سكينة، وكأنها انتصرت على تصوره الناتج عن صعوبة الحصول عن العيش الكريم، والتي يرجع بعض أسبابها لإنجابها الكثير من الأولاد. 
* كل واحد يولد برزقه، فقط عليه أن يبحث عنه، فلا تقنط من رحمة الله، تواسيه سكينة.
- حسنا مادام الأمر كذلك، سنبحث عن هذا الزرق حتى في حياة المذلة، يجيبها رحال، ما دام العيش الكريم هنا، أصبح مستحيلا، ونحن محاصرين بهذا الثلج الذي بات يهددنا بالموت أحياء.
في يوم الغد، حزم رحال وسكينة حقائبهم وتركوا الحمار وبعض دجاجاتهم لأقاربهم من الجيران دون إخبارهم عن نيتهم في الرحيل للمدينة بصفة نهائية.حملوا ما خف من متاع على أكتافهم والبعض الآخر على ظهور من اشتدت عظامه من أبنائهم، وتحركوا متتابعين بين المسالك الوعرة كعربات القطار، من قمة ذلك الجبل نحو السفح، لامتطاء أول حافلة تقلهم للمدينة.
ربما سيقبل على استضافتهم بعض أقاربهم حتى يدبروا حالهم باقتناء " براكة "، و بعدها يفكرون فيما يفعلون لكسب الرزق، فالإنسان ينبغي عليه أحيانا، أن ينتزع رزقه من فم الكلب كما يقولون.

بقلمي
المصطفى لخضر
صباح يوم الخميس 08 فبراير 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

((((أكتب ياقلم)))) بقلم الشاعر المتألق: الحاج خالد الجاف *************** يأيها القلم كتبت الكثيرعن الأُمم وكتبت عن البشر كل كبيرة ...